• السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير
فيه مقطع لبودكاست اسمه ابجورة المهم هالمقطع بالمختصر المفيد(لا تواسي ذوي الميت بالوعظ وذكر الله) بالعكس ساعده انه يتخلص من المشاعر !!
فوحدة عندي منزلته ومدري كيف ابي رد بس ماعرفت.
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا أعرف الحساب حقيقة ولا صاحبته، لكن اطلاع سريع على حسابها، رغم أنه مخصص بشكل كبير للفاقدين والمتوجعين، لم أرَ فيه ذكر لله واليوم الآخر والقرآن والإيمان (مع العلم أني لم أفحصه كاملا ولكن لمحة سريعة وقاصرة تعطي بعض الانطباعات والتصورات)
ولا أدري قد تزعم أنها توجه نصائح نفسية أو اجتماعية أو سلوكية ... من تجربتها أو من علمها وعلم من تتلقى عنه ... إلا أنها جهلت حقيقة هذه النفس والروح، وأن الإنسان تركيبة معقدة من جسد وروح ومشاعر ونفس تؤثر عليها مؤثرات غيبية من الملائكة والشياطين كما دلت بذلك النصوص الشرعية المستفيضة …
فالتعامل معها جسدا وشعورا مجردا، تعامل قاصر ناتج من جهل بطبيعة هذه النفس وحقيقتها، وجهل بطبيعة هذه الدار ومنغصاتها، والمنهج الرباني الذي جاء من عند الذي خلقها بهرموناتها وأمزجتها ومشاعرها وتعقيداتها وأفكارها وروحها وإيمانها وحزنها وتعبيراتها وانتكاساتها وجروحها وآلامها وأدوائها ....
هو الذي يسكنها ويحيها ويصلح بالها وشأنها ويهذبها ويقومها، وهو أصلح المناهج وأقومها على الإطلاق، قال تعالى: {إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ} [الإسراء: ٩]. ولا شيء أصلح للنفس من منهج القرآن والسنة في الركن السادس من أركان الإيمان وهو الرضا بالقضاء والقدر، وعدم الجزع والسخط والاعتراض على قضاء الله وقدره التي منها الفقد، ولا شيء أعون للإنسان على أن يصبر في حالات الفقد والمصائب، من التذكير بالله واليوم الآخر، والتذكير بنعم الله، وبحال من هو أسوأ منه حالا ... حتى يعينه على الرضا بحاله، وأن يذكره بالدار الآخرة وأنها دار مؤقتة ودار اختبار وكلنا راحلون لدار الجزاء ....
والتذكير بأن الصبر واجب وهو حبس النفس عن الجزع والتسخط وقول ما يعترض فيه على القدر كقول: لماذا أنا لماذا ليس فلان .. ونحوها من عبارات الاعتراض والجزع، كما قال النبي ﷺ عند وفاة ابنه إبراهيم: [إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولا نَقُولُ إلّا ما يَرْضى رَبُّنا، وإنّا بفِراقِكَ يا إبْراهِيمُ لَمَحْزُونُونَ] صحيح.
فحبس النفس عن الاعتراض والسخط والجزع واجب، خاصة عند لحظات الفقد الأولى كما جاء في صحيح حديث أنَسَ بنَ مَالِكٍ يقولُ لِامْرَأَةٍ مِن أهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: فإنَّ النبيَّ ﷺ مَرَّ بهَا وهي تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ، واصْبِرِي، فَقالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ خِلْوٌ مِن مُصِيبَتِي، قالَ: فَجَاوَزَهَا ومَضَى، فَمَرَّ بهَا رَجُلٌ فَقالَ: ما قالَ لَكِ رَسولُ اللَّهِ ﷺ؟ قالَتْ: ما عَرَفْتُهُ؟ قالَ: إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ ﷺ، قالَ: فَجَاءَتْ إلى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عليه بَوَّابًا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما عَرَفْتُكَ، فَقالَ النبيُّ ﷺ: إنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أوَّلِ صَدْمَةٍ. وفي حديث آخر صحيح قال: [الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى]. فدلت هذه الأحاديث بأن اللحظات الأولى من الفقد والمصاب، ينبغي حبسها وترويضها وفق المنهج الشرعي الذي بينه النبي ﷺ.
ولا يعني هذا، النهي عن الشعور بالموقف والمبادرة لإنكار الشعور وتجاهله، بل مشهد وفاة ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: إن العين تدمع والقلب يحزن .. وإنا لفراقك لمحزنون ... دليل على تقبل الشعور والسماح بمساحة لعيشه دون إنكار أو تسطيح له، ولكن دون تجاوز للحد المشروع.
ولعل المتحدثة في المقطع أرادت هذا، ولكن لم توفق في عباراتها كقولها : لا تواجه الفاقد بعبارات مثل: تعوذ من إبليس أو اذكر الله أو تذكر خسارة فلان أو فقد علان...
فقولها هذا خطأ، وإن كان قصدها حسنا.
فنحن بحاجة للتعوذ من الشيطان في كل وقت خاصة في الحزن، لأنه من الحالات التي يتسلط فيها على الإنسان ليثبطه، ونحن بحاجة لذكر الله مع كل نفس، خاصة في الحزن إذ أنّا أضعف ما نكون وأحوج ما نكون لجبر الله ورحمة الله ولطفه بقلوبنا وحزننا...
فإحسان مواساة الفاقدين، بالمنهج الشرعي أمر مطلوب، مع الموازنة في انتقاء العبارات واختيار الأسلوب والوقت الأمثل...
كما يجدر التنبيه إلى أن خطأ بعض الناس في وعظ الفاقدين ونهرهم وزجرهم لهم عند البكاء مثلا وأمرهم بالصمت ونحو ذلك ... لا يعني أنه هو المنهج الشرعي الصحيح، فينبغي التفريق بين ذلك، ولا يقال الفاقد بحاجة للتعبير عن مشاعره وليس بحاجة لخطاب عقله !
هذا والله أعلم.
المجيب:
أ. جمانة بنت طلال محجوب.باحثة دكتوراه بكلية الدعوة وأصول الدين.
قناة اسأل البيضاء:
https://t.me/ask_albaydha