اسأل البيضاء

م / ١٣٠

السؤال:

السلام عليكم ورحمة وبركاته 

 

ما حكم السماع لمن يسب الذات الإلهية حيث تنتشر بعض مقاطع الملحدين والعياذ بالله في بعض شبكات التواصل؟

 


الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ما الذي يطلبه من يطالع تسجيلات أو كتابات تتضمن سبّ الله -جل جلاله-، أو ينكر أصحابها وجوده ويعرضون فيها شُبههم وضلالاتهم ؟!
لا شك أن مطالعة مثل هذا منكر عظيم، وهو غير جائز إلا لصاحب علمٍ ومتخصصٍ متمكّن يتصدى للرد على هذا الكفر، وينظر لمقدار الضرورة فقط ليفنده ويدحض شبهاته.

وأما من سوى ذلك فإنه حتى لو وقع عليها بدون قصد، أو أُرسلت إليه، فالواجب عليه أن يمتنع عن مشاهدتها وتداولها، ويلزمه أن ينكر المنكر حسب استطاعته، وأضعفُ الإيمان أن ينكرها بقلبه ويوقفها عنده، فإن محلّها الحذف والحظر.
قال السعدي -رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى {وَالَّذينَ لا يَشهَدونَ الزّورَ وَإِذا مَرّوا بِاللَّغوِ مَرّوا كِرامًا} [الفرقان: ٧٢]:
"فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل"، ثم قال: "وفي قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه." انتهى.
ولقد ورد النهي في الشرع عما هو أقل من ذلك، وهو قراءة صحف التوراة المحرّفة، وكان المنهي أصلح وأتقى، وأعلم وأهدى، وأعمق إيمانًا، وأثبت قلبًا، -عمر بن الخطاب رضي الله عنه- فكيف بمن هو دونه؟

ولو تأمل المطالع لهذه الأمور، وكل من تساهل وسوّلت له نفسه أنه يثق بإيمانه، ويملك قلبه ويضمن ثباته، فقرأ واطّلع على ما فيه خلط وتلبيس للحق بالباطل، أو كان صاحبه من دعاة الكفر أو الضلال، فضلًا عما تضمن باطلًا صِرفًا كالذي ورد في السؤال ، لو قلّب نظره وتأمل حال نبي الله إبراهيم وهو يدعو ربه بلسان المتضرع الخائف على نفسه من عبادة الأصنام التي حطّمها بيده: {وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ ۝ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثيرًا مِنَ النّاسِ} [إبراهيم: ٣٥-٣٦]، ودعاء المصطفى ﷺ: [يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ]، ودعوة الراسخين في العلم: {رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ} [آل عمران: ٨]، لو تدبّر وقارن حال أئمة الموحدين بتساهله وجرأته لكفته هذه الموعظة في ترك التعرض للفتن، والإعراض عن الخوض بالباطل، قال -جل شأنه-: {وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ} [النساء: ١٤٠].

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال، والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة، إلا إذا كان من يقرؤها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم " انتهى .

وأُذكّر بتحذير نبينا ﷺ في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: [بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا]. قال الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في شرحه للحديث: "يبيع دينه بعرض من الدنيا، وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، فيصبح مؤمنًا ويأتيه من يقول له: تسب الله تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، ويصبح كافرًا أو يمسي كذلك".
فكيف بمن يكون دافعه مجرد هوى نفسه فيكون إن زلت قدمه في الفتن قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.

وإن تكرار الشبهات على القلوب، وتعريضها للفتنة مرة تلو أخرى فيه خطرٌ محقق، في الحديث الذي رواه حذيفة -رضي الله عنه- قال رسول الله ﷺ: [تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَعَرْضِ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا. فَأَي قَلْبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَتْ فِيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وأيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حَتَّى تَعُودَ الْقُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: قَلْبٍ أَسْوَد مُرْبَادًا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعْرِفُ مَعْروفاً وَلا يُنْكِرُ مُنْكَراً، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ، وَقَلْبٍ أَبْيَض لا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّماواتُ وَالأرْضُ] أخرجه مسلم.
فالمفلح من اتبع الهدى، وترك الهوى، وزجر نفسه عن تتبع الفتن، واحتاط لدينه عن الخوض فيما ضرره متحقق ونفعه منتفٍ.

هذا والله أعلم.


المجيب: أ. عبير بنت خالد الحمزة.
ماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قناة اسأل البيضاء:  ‏https://t.me/ask_albaydha 

تم النسخ بنجاح.