السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم العائلة البيولوجية، وهل وجودها حقيقية؟
عائلة تقوم بتكوينها وتحديد عدد أفرادها وشكلها وجنسيتها وطبقتها ودينها بمعنى أنك تجذبها بقوة عقلك الباطن، وهي أيضًا عائلة تبحث عنك وتعوضك عن المربين -أي عائلتك الذي أنت معهم حالياً- ويحبونك ويهتمون بك ويتعاملون معك بلطف وحنان.
كيفية صنعها: تكتب كل مواصفاته التي تريدها بالتفصيل الممل ثم تحدد العلامات التي ستظهر لك عند اقتراب وصول عائلتك البيولوجية
أي علامات تريدها
وفيه أشياء لازم تستمع لها بشغف اعتقد (سبلمنيال) وتشرب بعدها ماء وهكذا.
الإجابة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
"العائلة البيولوجية" المذكورة في السؤال هي إحدى التطبيقات الجديدة لـ "قانون الجذب" موجهة -في الغالب- للشباب صغار السن٬ وصورتها كالتالي:
إذا كان الولد أو البنت يشعرون بمعاناة مع أسرتهم، ويرون أن والديهم أو إخوتهم يظلمونهم أو يسيؤون معاملتهم، فإنه بإمكانهم -وفقا لهذه الممارسة- تغيير واقعهم الذي يعيشونه، بحيث يقومون بتحويل أسرتهم التي يعيشون معها إلى أسرة مُتبنية أو أسرة مُختطِفة، وتتشكل أسرة جديدة -حسب المواصفات التي يضعها الممارس- تأتي وتسترد ابنها أو بنتها وتأخذهم من الأسرة التي يعيشون معها الآن، أي: بإمكان الإنسان تغيير عائلته الحالية إلى العائلة التي يصنعها في خياله - واقعيا.
ويحصل هذا -بزعمهم- عن طريق كتابة مواصفات تفصيلية "لأسرة الأحلام", فيقال مثلا: الأب: اسمه كذا، وطوله كذا، وجنسيته كذا .. الخ، وكذلك الأم والإخوة والأخوات. ثم يستمع الممارس لمجموعة من المقاطع الصوتية المتضمنة لرسائل خفية أو ضمنية يسمونها سبلمينال أو سبلي (subliminal) موجهة للعقل الباطن. وبعد مدة تبدأ هذه الممارسة -باعتقادهم- بتغيير يقينيات العقل الباطن، الذي بدوره يغيّر الواقع الخارجي، فيبدأ شكل الشخص الممارس وجيناته وفصيلة دمه وتركيبه الفيزيولوجي بالتغيّر بما يتوافق مع الأسرة التي اختلقها في خياله، إلى أن تظهر تلك الأسرة التي يطلقون عليها "العائلة البيولوجية" فتأخذه من أسرته الحقيقية التي يسمونها "العائلة المربية" ويعيش معهم ما تبقى من حياته.
ولا شك أن هذه الممارسة -رغم سخافتها الظاهرة- تشكل خطرًا كبيرا على عدة مستويات: المستوى العقدي، والنفسي، والاجتماعي.
أما الخطر العقدي: فيتمثل في الاعتقاد بأن يقينيات العقل الباطن قادرة على خلق الواقع الخارجي، وتدبير الأقدار، بل تغيير المادة وتكوينها، وقد عُلم في الشرع انفراد الله بذلك، بل هو مما أقر به المشركون، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.
والاعتقاد بأن الإنسان يخلق واقعه من خلال أفكاره ومشاعره -كما في هذه الممارسة وغيرها- ترجع جذوره إلى فلسفة شرقية إلحادية قديمة قائمة على الاعتقاد بوحدة الوجود (سبق بسطه وتوضيحه في غير هذا الموضع).
ومما شاهدته عند كثير ممن يحاولون صنع "عائلة بيولوجية" جديدة، أنهم يتخيلون عائلة أعجمية: كعائلة كورية مثلا، أو أوروبية أو أمريكية غير مسلمة، مما يهوّن من أمر الإلحاد أو الردة لدى هؤلاء النشء، ويهز العقائد الثابتة ويهدم الفواصل بين الكفر والإيمان. وقد نص النبي ﷺ على أن حلاوة الإيمان لا يذوقها إلا من [ يَكرهَ أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار ] وكثير من هؤلاء الأبناء -للأسف- يصفون حياة الكفار بأنها "جنة" يتطلعون لها، ويسعون إلى الانتماء إليها.
وأما الخطر النفسي: فهو ظاهر في الوهم الذي يعيشه الممارس لهذه الخرافة، فإنه يكوّن توقعات خيالية، ويتخذ حلولا وهمية لمشاكله الواقعية، مما يولد عزلة نفسية، وهشاشة شخصية، وربما أدى العيش في الوهم -وفقا للمنشورات الطبية- إلى الاكتئاب أو الانتحار لا قدر الله.
كما يتضح الخطر الاجتماعي: في تفكك الأواصر الأسرية، وانفلات الأبناء من الرعاية الأبوية الضابطة بحجة أن هذه العائلة ليست حقيقية، وأن العائلة "الحقيقة" المصنوعة في الخيال ستنقذه من ظلم أمه وأبيه! ولا شك أن الفئة العمرية المستهدفة هي تلك التي لا تزال تحت ضبط الآباء، ومعلوم حال كثير ممن هم في هذا العمر ونظرتهم المعارضة لأي سلطة أو قيود، وإن كانت ضرورية وحكيمة لا يدركون أهميتها بعد.
بل إن هذه الممارسة ونحوها تشكل عائقا لإيجاد الحلول الصحيحة لمشاكل الظلم والاضطهاد الأسري الموجود في الواقع، فبدلا من اللجوء -بعد الله- إلى عقلاء الأسرة أو الجهات المسؤولة في الدولة، يستمر الضحية في انتظار "العائلة البيولوجية" الوهمية، مع البقاء في وضع أسري يعرضه للخطر النفسي والجسدي.
إن ما ذكرته أعلاه ليس إلا طرفا من المخاطر والإشكالات المضمنة في ممارسة "العائلة البيولوجية"، مما لا يناسب التفصيل فيه في مثل هذا المقام.
ولكني أنبه الآباء والأمهات إلى ضرورة الاستعانة بالله في تربية الأبناء، وأهمية إيجاد الصلة الجيدة والعلاقة الصريحة معهم، ومتابعة اهتماماتهم، ومناقشتها معهم، والحرص على بناء التكوين العقدي الراسخ، والعقل السليم الناقد، حتى تتكون لديهم الحصانة الذاتية -بإذن الله وتوفيقه- لرد هذه المخالفات العقدية والخرافات الوهمية الدخيلة.
والله أعلم.
المجيب:
د. هيفاء بنت ناصر الرشيد.
دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قناة اسأل البيضاء:
https://t.me/ask_albaydha