اسأل البيضاء

ع / ٣ / ٦

السلام عليكم ورحمة الله..
جزاك الله خيرا د.هيفاء وجعلك مباركة أينما كنت
بناتي يحفظون القرآن ومعلمتهم في الدار عملت للأمهات مجموعة واتس للتواصل بخصوص المواعيد والإجازات وأرسلت رسائل للتربية
وفي يوم أرسلت لنا رسالة ملخصها أننا يمكن التحكم في تصرفات أولادنا من خلال مخاطبة العقل الباطن ( اللاواعي ) أثناء نومهم
فمثلا أهمس لابني في أذنه وهو نائم وأكرر عليه أنت هادئ أنت عاقل والصفات التي أحبها فيه، والحمد لله كنت قد تعلمت التأكد من صحة رسائل الواتس قبل تصديقها وإرسالها وبحثت ووجدت حلقات للشيخ محمد صالح المنجد تخص العقل الباطن فأرسلتها لها على الخاص أملا في أن تتدارك هذه الرسالة وتصححها ولكنها ردت بأن هذه الرسالة من متخصصين في التربية فانسحبتُ حتى لا أجادل وخرجت من المجموعة، ولكنها تضايقت وقالت أهكذا يكون تعاملك عند الاختلاف في الرأي ؟

ولكني على قدر ما تعلمت أن مسائل العقيدة لا يسوغ فيها الخلاف إما إيمان أو كفر.

سؤالي لحضرتك
هل فعلا مخاطبة العقل الباطن صحيحة ؟ أو يمكن الاختلاف شرعيا فيها فأعتذر لها وأكف عن نصحها.


الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تسمى الممارسة الموصوفة في السؤال: برمجة اللاواعي أو:subconscious programming وتكون -عادة- عن طريق ما يُسمى بـ "التوكيدات" أو: affirmations وهو مصطلح دارج عند رواد "العصر الجديد"، يُطلَقُ على جُمل "إيجابية" قصيرة يكررها الشخص -نطقًا أو كتابةً- بهدف إحداث تغيير ما في حياته. مثال ذلك: أنا أستحق السعادة، أنا متحدثٌ بارع .

وهناك تفسيران لآلية البرمجة المنسوبة للتوكيدات:
الأول: أن تكرار العبارات يؤدي إلى تغيّر القناعات أو السلوكيات وبناء عليه تتحقق الأهداف.
وهذا القول محل جدل واسع في الأوساط العلمية وعند المختصين في العلوم النفسية، بل أشارت بعض الدراسات إلى أن "التوكيدات" الإيجابية قد تتسبب في حصول آثار سلبية عكسية.
الثاني: أن تُعتبر "التوكيدات" رسائل ضمنية للعقل الباطن أو الوعي، و"الوعي" -هنا- هو الذي يصنع الواقع ويشكل الأقدار، فما تزرعه فيه يتجلى في واقعك.
وهذا القول مبني على عقيدة وحدة الوجود، وأن الوجود المطلق هو "الوعي"، وكل ما هو مُشاهد هو من صنعه وتجلياته.
فهذه عقيدة باطنية كفرية تتعارض مع أصول الاعتقاد وتوحيد الربوبية.

هذا فيما يتعلق بالتوكيدات وبرمجة اللاواعي أثناء اليقظة، أما في المنام فتدخل هذه الممارسة في عموم ما يسمى "التعلم النومي" sleep learning ، وهو -كالسابق- لا يستند إلى دراسات علمية قطعية، والأقوال في إمكانه متضاربة.
وما لم يثبت تأثيره أثناء اليقظة، فتأثيرة عند النوم وغياب العقل أبعد، فإن النوم يحول دون العقل، ولأن النائم يغيب عقله ولا يعي رُفع عنه التكليف، فقال ﷺ:[رفع القلم عن ثلاثة] وذكر منهم: [النائم حتى يستيقظ].

فالمقصود باختصار: إن أثر ما يُسمى "مخاطبة العقل الباطن" غير ثابت قطعًا في الدراسات العلمية، ولكنه قد يكون مبنيا على افتراضات نفسية محتملة لا تتعارض مع العقيدة، وقد يكون مبنيا على فلسفات باطنية تنقضها.

ولذلك فالأحوط -باعتقادي- ترك هذه الوسيلة، لأن منفعتها ظنية غير ثابتة، ولأنه يُخشى أن يؤدي انتشارها وتطبيعها إلى تسريب المعتقدات الباطنية من خلالها. أما الجزم بمخالفتها للعقيدة بالإطلاق فغير ممكن، ولا يصح.
كما أنصح باتخاذ الأسباب الشرعية والتجريبية النافعة في تحسين سلوك الأبناء، كالدعاء والموعظة، والأساليب التربوية المعروفة.

وختامًا أنبه لأمر مهم ورد في نص السؤال، وهو قول السائلة: "مسائل العقيدة لا يسوغ فيها الخلاف، إما إيمان أو كفر". وهذا قول لا يصح، فإن من المسائل العقدية ما يسوغ فيها الخلاف ولا يُبدّع فيها المخالف، ومنها ما يكون فيها المخالف مبتدعًا بدعة غير مكفرة، ومنها ما يكون المخالف فيها كافرًا.
هذا والله أعلم.


المجيب: د. هيفاء بنت ناصر الرشيد.
دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قناة اسأل البيضاء: ‏https://t.me/ask_albaydha

تم النسخ بنجاح.