اسأل البيضاء

ع / ٢ / ٢٦

عندي سؤال عن موضوع عقدة الطفل، هل الكتب والأفكار عن هذا الموضوع لها أي تأثير على الجانب الروحاني؟ … و لما بحثت زيادة لقيت إن فيه جلسات اسمها “ثيتا” اللي قد قريت عنها في قناتكم أنها سيئة… ما فهمت هل موضوع العقد بشكل عام لها تأثير سيء دينيًا و دنيويًا؟ شنو أساسها؟ هل الاستعانة بهذي الأفكار خطأ

 


الإجابة:

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

بعد عرض السؤال على د.سحر كردي المتخصصة في علم النفس، قالت مشكورة:

"لا يمكننا التعميم على كل الكتب والأفكار التي تتناول عقدة الطفل .. فهناك ما هو موضوعي يتحدث عن تأثير التنشئة على شخصية الطفل، ويخلص إلى أن هذه التأثيرات يمكن التعامل معها سلوكيا ومعرفيا والخروج بحلول تصحيحية واعية، وهناك ما هو فلسفي يتحدث عن عقد لا يمكن التخلص منها إلا بأساليب غير واعية كالتنويم (جلسات ثيتا) والعلاج بخط الزمن وغيرها من الادعاءات غير العلمية.

والخلاصة: أن تأثيرات التنشئة وأحداث الطفولة مؤثرة ولا شك في الشخصية، وهناك من يطلق عليها عقدا، وهي عقد متغيرة حسب الفرد وليست عامة كما زعم فرويد ويمكن علاجها بطرق علمية". (انتهى كلامها).

إن ادعاء العلاج بالتشافي من صدمات وعقد الطفولة، وتحميل الوالدين سوء تصرفهم مع أبنائهم في بعض المواطن؛ أصبح شماعة للأخطاء التربوية والأمراض التي تصيب الإنسان، حيث يقوم المعالج بحث العميل على اجترار ما مضى من مشكلات حصلت له في الطفولة ويساعده على العيش في هذه المشاعر بتقمصها، -بعد أن نسيها- وذلك حتمًا فيه إيلام للنفس.

يقول د. خالد الجابر -المتخصص في الطب النفسي وتأسيس الطب النفسي الإسلامي-:

"عرضت إحدى الأخوات ما فعله معها الاستشاري الذي ذهبت إليه، تقول حاولنا معًا اجترار مشكلات وحوادث حصلت لي في الطفولة في جلسات معينة، ثم حاول يجعلني أدفن هذه الذكريات المؤلمة التي أثارها في نفسي فلم ينجح .. فزاد الطين بله وزاد انتكاسي ... سامحه الله..

الصحيح في ذلك أن الطفولة الحزينة والتي فيها معاناة قد تؤثر في فترة المراهقة وبدايات الشباب، ولكن إذا بلغ الانسان فهو مسؤول عن نفسه وتصرفاته واختياراته، ويستطيع أن يتخطى العقبات ويعتبر آلام الطفولة مجرد ذكريات، فهو راشد يقدر أن يصلح من نفسه ويعالج جروح طفولته، وأخطاء تربيته، وإلا لما كان هناك تكليف، ومن ثم ثواب أو عقاب من الله، ولكان هناك عذرا لمن يقول: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.

ضحايا الإكراه على تذكر ما طواه النسيان كثيرة في العيادات النفسية.

المؤسف أن الذي يجبرهم على تذكر ما طواه النسيان، بل وربما على تخيل ما لم يحدث أصلا إنما هو المعالج نفسه.

ينبش في الذاكرة، ويوحي إليهم بالتذكر: نعم أبوك آذاك!  نعم أنت ضحية تنمر طفولة!  نعم أنت ضحية صدمات طفولة! حين يلح الممارس النفسي على المريض بالتذكر، هنا تخرج ذاكرة مختلقة لم تكن موجودة أصلا.

القاعدة في علم النفس المعرفي في باب ذاكرة الصدمات: ما لا يتذكره المريض، لم يؤثر عليه، لا تنبش، لأنك ستجعله ضحية لك هذه المرة بالإيحاء.

التصرف الصحيح هو أنه إذا سرد المريض ذاكرة طفولة مؤلمة، بدون تنبيش أو إيحاء، لا تربطها "سببيا" بمشكلته الحالية، لأنه لا يمكن الجزم ولا النفي، بل ركز على: معرفة مدى حضور صدمة الماضي في الحاضر، وعلى علاج ما يحصل في الحاضر، وليس في الماضي ساعده على علاج نفسه الآن، وسيزول أثر الماضي بإذن الله.." (انتهى كلامه).

بل لو نظرنا إلى قصص الأنبياء، سنجد أن كل نبي كانت طفولته بمعايير النظريات النفسية الغربية ستنشئ كوارث نفسية، فعيسى عليه السلام دون أب، وموسى ألقي في اليم و هو رضيع وفصل عن أمه، وإبراهيم عليه السلام نبذ من أبوه وألقاه قومه في النار، ويوسف عليه السلام غار منه إخوته و ألقوه في الجب، ومحمد ﷺ  ولد يتيما و عاش عند مرضعته بعيدا عن أمه، و شق صدره و تنقل في المحاضن.. ولكنهم كانوا أكمل الخلق وأزكاهم عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.


ويؤكد د. خالد الجابر في موقع آخر أن الأدلة الموجودة فشلت في إيجاد أي رابط علمي بين الصدمات "المنسية"، وبين المشاكل النفسية مستقبلا! بل هناك أبحاث كثيرة تشير بدلالة جيدة أن محاولة تذكر الصدمات "المنسية" يشوش الذاكرة، ويجعلها تختلق ذكريات غير موجودة أصلا"Suggesting False Memories".

أما العلاج بجلسات الثيتا فراجعي: انظر هنا كما يزعمون بأن عقد الطفولة أو صدمات الطفولة ... على مختلف التسميات، هي سبب مشاكل الحاضر وآلامه، وأنه بحاجة إلى تنظيفها والتخلص منها من خلال جلسات تنظيف الروح أو تنظيف الهالات والشاكرات والعلاج بخط الزمن ... وغيرها من الممارسات والمصطلحات المتنوعة، لذات الفلسفة والفكرة الباطلة، وراجعي في بيان ذلك:
انظر هنا
انظر هنا  وخلاصة ما سبق: أن هناك جانب علمي صحيح في مفهوم عقد الطفولة وصدمات الطفولة، وأثرها على الإنسان، كما بينه أصحاب الاختصاص؛ وجانب غير علمي وفلسفي خطير يؤثر على الاعتقاد، قائم على فكرة تنظيف الطاقة والهالات من خلال جلسات الثيتا والتأمل واليوغا والتحرر من الكارما ...
انظر هنا
انظر هنا

وعليك أختي الكريمة -فرج الله همك وأصلح شأنك-، أن تبتعدي عن تذكر الذكريات السيئة التي تعود عليك بالحزن والكرب، وأن تستعيذي بالله من وسوسة الشيطان وإحزانه وتثبيطه، وأن تلتجئي إلى الله وتعتصمي به أن يعينك على نفسك، وتستزيدي من الأعمال الصالحة التي تقوي عزيمتك وتريح قلبك وتشرح صدرك، وتشغلك عن الانغماس فيما يكدرك ويحزنك، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، واعلمي أنه مهما أصابك من سوء في طفولتك، فإنه بقدر الله، ولعله من الابتلاء، فتجاوزيه ولا تغرقي في ذكرياته، واعلمي أن أنفع علاج للحزن كثرة التسبيح،  قال تعالى: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}، واستعيني بالله على مجاهدة نفسك بإصلاحها كما يحب الله. أصلح الله لنا ولك الحال والمآل.

هذا والله أعلم.




المجيب: أ. جمانة بنت طلال محجوب.
باحثة دكتوراه بكلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى.
قناة اسأل البيضاء: ‏https://t.me/ask_albaydha

تم النسخ بنجاح.