السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله تعالى للقائمات على هذه الصفحة المهمة، وجزى الدكتورة هيفاء خير الجزاء وبارك لكن جميعًا في أوقاتكن وأعمالكن وأعماركن.. آمين
لدي سؤال يتعلق (بالإسقاط النجمي) حيث تابعت عدة برامج حوارية ووثائقية عنه في التلفاز ولكن البرامج أعطتني تصورات بدا لي أنها ناقصة وغير مكتملة الجوانب فممارسيه (بعضهم عرب ومسلمين) يزعمون أنهم اطلعوا على ما غاب عنهم في أماكن أخرى خلال ممارسته، أما البرنامج الوثائقي فقد تحدث فيه طبيب أعصاب عن كيفية حدوث ذلك عند تخبط وظائف الدماغ في حالات مرضية خاصة وأنه ممكن ولكن بسبب تعطل بعض وظائف المخ، وليس أنه يمكن اطلاع الإنسان على ما غاب عنه.
الذي استنتجته أنه خرافة ودجل، ولدي بعض الأسئلة حوله هل يمكن ربطه بحركة العصر الجديد؟ وما جذوره الفكرية؟ وكيف يمكن الرد على من يروج له؟
شكر الله لكم وبارك في علمكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع خالص المحبة في الله والدعاء لكم بالسداد ودوام التوفيق آمين.
الإجابة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما ذكر في السؤال صحيح، ويدل على دقة السائل وتحريه الحق، والحمد لله.
فالإسقاط النجمي أو الـ astral projection، مصطلح باطني يُستخدم للتعبير عن الخروج المُتعمّد من "الجسم المادي"، والتحكم به ليذهب حيث يشاء، ويطلّع على ما يشاء، وهو قائم على الاعتقاد بوجود ما يُسمى الجسم النجمي أو(الأثيري).
ترجع بدايات هذه الفكرة إلى الثيوصوفي في القرن التاسع عشر للميلاد، وإن كانت جذورها العقدية تسبق ذلك بكثير، وفي الديانات والفلسفات الشرقية على وجه الخصوص، لكنها انتشرت في السنوات الأخيرة ضمن ممارسات حركة العصر الجديد، فتبناها بعض المسلمين للأسف - خاصة صغار السن منهم و"للجسم النجمي" عند من يؤمن به من المسلمين ثلاث تفسيرات:
القول الأول: إنه الروح. وهذا التفسير لا يصح، فإن الروح لا تنفصل عن الجسد إلا بالقبض عند النوم والقبض عند الموت، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ}، وقُد علم أن هذا ليس من جنس الموت، إذ لا يمكن للميت أن يعود إلى الحياة وتعود روحه إلى جسده في الدنيا.
كما لا يمكن أن يقاس على النوم كذلك، فإن الروح المقبوضة في النوم أضعف إدراكًا وتصرفًا منها في اليقظة، فكيف تذهب وتجئ حيثما تريد؟ حتى قال بعضهم يمكنها الخروج للمجرات الأخرى لو أرادت!
القول الثاني: إنها النفس، والنفس غير الروح على قولهم. وقد اختلف العلماء في هذا التفريق، فقال بعضهم لا يصح والروح هي النفس والنفس هي الروح، وبعضهم جعل النفس يُطلق على مجموع الروح والجسد. ولا أعلم من العلماء من جعل النفس كائنًا مستقلاً قائمًا بنفسه غير الروح.
القول الثالث: أثبت الجسم النجمي أو الأثيري دون ربطه بالروح أو النفس. وهذا مردود عقلًا ونقلًا، فإثبات الوجود لا بد عليه من دليل، ولا يوجد دليل شرعي ينص على ثبوت هذه الدعوى، كما لا توجد أي دلائل علمية على وجود الجسم النجمي، وكل ما قُدم في هذا السياق تم تصنيفة ضمن العلوم الزائفة pseudoscientific.
وبناء على ما سبق يمكن الرد على من يروج للإسقاط النجمي بما يلي:
١- أن هذه الممارسة ترجع أصولها للفلسفات الشرقية المخالفة للمعتقد الصحيح.
٢- أنها ممارسة خرافية لا تستند إلى دليل علمي صحيح.
٣- أنها تتضمن الدعاوى الخارقة والمعارف الغيبية.
٤- أنها قد تُعرض صاحبها للضرر العقلي أو النفسي، لأن فيها تلاعب بالوعي.
فإن احتج الممارس على صحة الإسقاط النجمي بأنه جربه بنفسه فتحقق، كان الرد -على فرض صدق المدعي- من ثلاث وجوه:
الأول: أن يكون ما رآه من صنع خياله، فالإنسان صاحب القناعة الشديدة قد يتخيل الشيء ويظنه حقيقة. وقد يخدعه دماغه المرهق، خاصة مع طبيعة الإسقاط النجمي وتوقيته والتمارين الخاصة به.
الثاني: أن يكون هذا من الرؤى المنامية وليس خروجًا حقيقيًا من الجسد، فهويُقام في حالة بين اليقظة والمنام، فقد يغلب النوم على بعضهم.
الثالث: أن يكون من تلاعب الشياطين بالإنسان، وتلبيسهم على عقله، واستغلالهم ضعفه لتغيير معتقداته وقناعاته. وهذا يشكل خطرًا إضافيًا على ما ذُكر.
هذا والله أعلم.
المجيب:
د. هيفاء بنت ناصر الرشيد.
دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قناة اسأل البيضاء:
https://t.me/ask_albaydha