• السؤال:
السلام عليكم، أنا سمعت بطريقة (هنا والآن) أي في هذا المكان وهذه اللحظة وليس في المستقبل أو الماضي
استشعر بحواسك الرائحة الطيبة والطعم اللذيذ، وأنا أفعلها لأجل أن أستشعر وأستمتع وعلمتها أختي لأن عندها أفكار سلبية وقلق علمتها لكي تقطع هذه الأفكار وتنشغل بالحاضر ولا أعلم هل لها أصول شركيه فهل هذا حرام؟
الإجابة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
(here and now-هنا والآن) مصطلح معاصر له بعد فلسفي عقدي لقي شهرة واسعة بعد طرح وترجمة كتاب الفيلسوف الروحاني اكهارت تول (قوة الآن).
ويمكن مناقشة المصطلح من عدة جوانب:
الأول: الفهم البسيط للمصطلح والناتج عن القراءة السطحية له، حيث يُظن أن المقصود منه مجرد الانشغال بالحاضر دون استصحاب آلام الماضي وهموم المستقبل، وهذا معنى عادي ليس فيه محذور وليس هذا المعنى المراد بالعبارة، ولوكان هذا هو المعنى المقصود لاكتفى الكاتب بتوجيه عابر أو مقال مختصر.
الجانب الثاني: النظرة الفاحصة لأبعاد وجذور المصطلح: حيث أن للمصطلح بعداً أعمق يُعبر فيه اكهارت تول عن معتقده وتصوراته الفلسفية عن حقيقة الحياة والنفس والإله وهذا يتضح من خلال القراءة الفاحصة للمصطلح وأبعاده العقدية؛ فنجد الكاتب وبعد أن قدم بمقدمات متنوعة يصل إلى أن الغاية من (هنا والآن) الاتصال بحقيقتك الإلهية وبلوغ ما يسميه الاستنارة. وبالتالي الشعور بالسعادة والتخلص من الآلام والمعاناة، ولا يتوانى الكاتب عن التصريح بعقيدة وحدة الوجود الفاسدة كنتيجة لتطبيق (هنا والآن) والشعور بالاتصال، ولا يخفى مع هذا الطرح للمصطلح العلاقة بينه وبين المعتقدات الباطنية المرتبطة بالفلسفة الشرقية القديمة (كالشرارة الإلهية وبلوغ الاستنارة ووحدة الوجود) كما لا يُخفي الكاتب تأثره في موضوع كتابه بمن أسماهم المستنيرين ومنهم بوذا..
الجانب الثالث: قد يظن البعض نتيجة للفهم السطحي للمصطلح تداخله مع بعض التوجيهات الشرعية والمسلمات العقلية؛ كتوجيه من يعاني من القلق وكثرة التفكير ونحوه بعدم التحسر على مافات وقول (لو أني فعلت لكان) وترك الاسترسال في المستقبل وكيف سيكون عليه حاله ومن هذا القبيل… وهذه التوجيهات ونحوها مما أجمع عليه العقلاء ويوجه بها من يعاني القلق مستصحباً أحزان الماضي وهموم المستقبل، وقد أشار إلى هذا التوجيه الإمام السعدي ـ رحمه الله ـ في كتابه (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة)، وهذا مختلف تماما عن ما يقصد من (هنا والآن) وإن التبس الأمر على البعض وظن التماثل بينهما، وأشد وأقبح من ذلك من يستشهد على (هنا والآن) بالطمأنينة والخشوع في الصلاة نتيجة لفهمه القاصر عن إدراك أصول هذا المصطلح ومآلاته..فهو من جهة أول العبادة وصرفها إلى غير الأمر العظيم الذي شرعت لأجله
ومن جهة أخرى نشر وأشاع هذا الفساد العقدي..
وقد يكون هذا بحسن نية وبقصد تبسيط العبادة وتقريبها للناس وهذا منزلق خطير يلفق به بين العقائد تارة بحجة الأسلمة أو التبسيط أو متابعة الجديد.
ومن جانب آخر قد يطرح مصطلح كـ (هنا والآن) في سياق التحفيز على التركيز أثناء العمل لجودة الإنتاج ولا شك بأن التركيز والانقطاع عن الشواغل والصوارف أثناء أداء المهام من أهم أسباب الجودة وقوة المخرجات ولكن توظيف هذا المصطلح الفلسفي الروحاني في هذا الجانب غير دقيق للأسباب العقدية المرتبطة به والتي ذكرت سابقا..
وعليه فإن (هنا والآن) وما يرتبط به من أساليب من مفرزات الطرح الروحاني المعاصر ويشوبه عدد من المخالفات المتعلقة بأصول الاعتقاد، فننصح السائلة بالابتعاد عن هذه الطريقة واتباع الأساليب والتوجيهات الشرعية والعلمية وسؤال المختصين.. ومن ذلك مثلا:
- الانشغال بحفظ القرآن وتلاوته.
-
قراءة الكتب النافعة ككتاب (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة).
- الاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه عند ورود الأفكار السيئة وإشغال النفس عنها، وتذكيرها دائماً بحديث الرسول ﷺ [يا غلامُ، إني أُعَلِّمُكَ كلماتٍ ، احفظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احفظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروكَ بشيءٍ ، لم يضروكَ بشيءٍ إلا قد كتبه اللهُ عليكَ ، جَفَّتِ الأقلامُ ورُفِعَتِ الصُّحُفُ].
- استشعار نعم الله وشكره عليها والنظر لمن هو دونه فيها.
- وضع الأهداف والانشغال بتحقيقها.
- البحث عما يدخل السرور على النفس من المباح وتحديد مصادر القلق ومعالجتها.
- استشارة التربويين والمختصين فبعض المنعطفات النفسية تحتاج إلى خبير وبعضها يحتاج إلى علاج.
هذا والله أعلم.
المجيب:
د. عائشة بنت محمد الشمسان.
دكتوراه الحسبة والرقابة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
قناة اسأل البيضاء:
https://t.me/ask_albaydha