| بين النقد والتشهير |
أصبح “التشهير” الذي صُنّف -بفضل الله- ضمن الجرائم الإلكترونية من المصطلحات المجملة المُشكلة عند بعض الناس، فيُدخلون تحته ما ليس منه، ويُظنون أنه شامل لكل نقد.
ورغم وضوح الفرق بين النقد العلمي والمنهجي للمقالات المُعلنة “لشخصيات عامة” -يسعى كثير منهم للشهرة الإعلامية والمجتمعية- وبين نشر أقوال خاصة طُرحت على مستوى شخصي وفضح ما كان الأصل سترُه، ثم ما يحصل نتيجة لذلك التشهير من الأذى النفسي أو البدني أو المالي.
أقول رغم الفرق البيّن بين هذا وذاك إلا أننا لا نزال نرى من يتهم كل ناقد لقوله بالتجريح والطعن و”التشهير”! وهذا نموذج سافر لانعدام -ما اُطلِق عليه حديثًا- “مسؤولية الكلمة”، وتنصّلٌ من تحمل التبعات الفكرية والثقافية -وقبل ذلك الشرعية- للآراء والمقالات العلنية.
ولا أتردد في وصفِ مثل هؤلاء بالجبن الفكري والنفسيّ – حيث يبني أحدهم “صرحًا ثقافيًا” من زجاج متهشم استورده من فلسفات بائدة في الهند والصين، ويوظف كل وسيلة متاحة ومنصة قائمة لحشد الأتباع ونشر الأفكار ، لا يكاد يفتر في الليل ولا في النهار … ثم إذا انتُقدت تلك المبادئ والأفكار ووضحت -بالشواهد- أصولها العقدية، وبُيّن -بالدليل- مخالفتها للشريعة الإسلامية ما احتمل أن يحتمل ما تحملّه!
وأصبح يغطي عجزه عن الرد المنطقي والاستدلال الشرعي بالاتهامات المضادة، ووصف كل مخالف ناقد بالتجريح والتشهير.
ونسي -أو تناسى- أن ما يخرجه للعالم باسمه، وينسبه أمام الخلق لنفسه، لم يعد حقًا خاصًا لقائله وكاتبه، بل يتعين -شرعًا- على أهل العلم نقده وبيان الخلل فيه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}.
ولستُ أتحدث -هنا- عن الطعن في المقاصد والنيات، ولا عن التهم والأحكام العارية عن الدليل، أو السب والشتم وسوء الخلق، أو نشر الفضائح وكشف الأستار، وإنما أتحدث عن النقد العلمي المؤصل للمنشور من الآراء والأقوال.
وهذا -بلا شك – من إنكار المنكر باللسان، والامتثال لقول النبي ﷺ : [ من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ] .
فهذا البيان دين، وكشفٌ واجبٌ للشبهات، ليس نقدا لأجل الانتقاد، وليس هتكًا للأستار ولا تتبعًا للعورات، والله المستعان.
وفقنا الله للحق والسُّنَّة.
~ د. هيفاء بنت ناصر الرشيد.