*هذا المقال موجه لعموم القراء، وليس خاصا بطلاب العلم الشرعي، ولذلك لم يكتب بالأسلوب العلمي المعتاد عندهم، فآمل مراعاة ذلك عند القراءة.
كنت في زيارة لإحدى قريباتي بعد أن أنجبت مولودًا، وقد اجتمع في مجلس الزيارة ذلك المساء جمع من النساء من مشارب مختلفة.
وبدأت الزائرات يطرحن الأسئلة المعتادة في مثل هذه الزيارات:
كيف كانت الولادة؟
من يُشبه المولود؟
ما اسمه؟ كيف استقبله إخوته؟
وما شابهها من التساؤلات المعتادة في مثل هذه الزيارات.. حتى بادرت إحدى الحاضرات بسؤال لم أسمعه يطرح في مثل هذا المقام قبل ذلك، فقالت بحماس ظاهر:
“ما هو برجه؟”
ثم استرسلت بتبرير سؤالها السابق بدلالة الإجابة على الصفة التي سيكون عليها هذا الطفل، من حيث سماحة الطبع أو غِلظته، وقدرته على التكيُّف مع إخوته، والأساليب التربوية التي تتناسب مع شخصيته.
فعجبتُ من قناعة المتحدثة بما تقول، وصمت الحضور وتأملهن لهذا القول بإعجاب، وكأنها قد جاءت بفرائد العلم الحديث ونودار التراث القديم في جُملة.
ثم إني تأملتُ “الحجج” الجاهزة التي يطرحها من تبنى أي نوع من الاعتقاد بتأثيرات النجوم، ومحاولته تبرير ذلك المعتقد الفاسد بالعلم الحديث تارة، وبالتبرؤ من بعض صور التنجيم -ظاهرة التحريم- تارة أخرى. فأدركتُ أن تحرير المسألة والرد على تلك الشبهات الحديثة من الواجب المتعين في هذه المرحلة – دفاعًا عن عقيدة التوحيد وذبًا عن جنابه، خاصة مع انتشاره في المجتمع النسائي وبين الفتيات.
ولأجل التفاوت المتوقع في الشريحة التي يستهدفها هذا المقال سأحاول – قدر الإمكان- عرض الفكرة ونقدها بأسلوب ميسر يفهمه كل أحد.
سأستهل هذا المقال بسؤال تمهيدي مهم، لا يسعنا تجاوزه إلى غيره حتى نستعرضه، ونجيب عنه، وهو ببساطة:
ما هي الأبراج أصلا ؟
وعلى ماذا تدل؟
إلا أن الإجابة – هي الأخرى – تحتاج إلى مقدمات علمية يسيرة تتمثل في بيان معاني بعض المصطلحات الفلكية التي لا يمكن فهم معنى “الأبراج” إلا بعد تصور مفهومها.
وتلك المصطلحات هي: الكوكبة، ومسار الشمس، ودائرة البروج.
أما “الكوكبة” ( constellation ) فهي مجموعة من النجوم التي تبدو للرائي وكأنها رسم تخطيطي لشكل أداة من الأدوات أو صورة لإنسان أو حيوان، فمنها ما يظهر وكأنه قوس أو ككفتيّ ميزان، ومنها ما يشبه العقرب أو الأسد أو الحصان، فأطلقت عليها تلك التسميات.
ولأن الإغريق كان لهم اهتمام ظاهر بالنجوم والأفلاك أطلقوا على بعض الكوكبات النجمية أسماء تتوافق مع أسماء آلهتهم أو الكائنات الأسطورية في تراثهم مثل كوكبة الإله “هيراكليس” Hercules، أو كوكبة “الحصان المجنح” Pegasus، ولا تزال هذه التسميات مستخدمة في علم الفلك حتى يومنا هذا.
فالكوكبة ليست مجموعة من النجوم المتقاربة في الحقيقة، ولا يربط بينها أي رابط حسي أو مكاني، وإنما هي صور افتراضية مبنية على مرئيات البشر، وما يتخيلونه من زاويتهم الأرضية.
ورغم أنه يمكن لأي شخص أن يصل بين النجوم التي يراها في السماء بخطوط خيالية فيرسم في ذهنه كوكبة جديدة لا تكاد تحصى احتمالاتها بعدد، فإن الكوكبات المحددة بأسماء معتمدة وفقا لمنظمة الاتحاد الفلكي الدولي تقدر اليوم بـ ٨٨ كوكبة فقط.
من هذه الكوكبات الكثيرة هناك ثلاثة عشر كوكبة تبرز بشكل واضح لسكان الأرض في أوقات محددة من العام الشمسي، وتشكل هذه الكوكبات ما يشبه الحزام أو الدائرة المحيطة بالأرض، يسمى هذا الحزام: “دائرة البروج” أو الـ zodiac، وقد نالت هذه الدائرة اهتمام كثير من الفلكيين والمنجمين عبر التاريخ لوجودها في طريق تنقل الشمس في السماء حسب ما يراه الناظر من على سطح الأرض، ويسمى هذا المسار الظاهري : “المسار الشمسي” أو ecliptic.
ولأوضح هذا المفهوم أكثر، تخيّل أنك تضع خطاً افتراضيا في السماء يحدد سير الشمس فيها، ثم تتبع ذلك الخط بعد دخول ساعات الليل وحلول الظلام، هذا الخط الافتراضي هو: “المسار الشمسي”، والكوكبات النجمية التي تظهر متتابعة في ذلك المسار خلال العام الشمسي تشكل “دائرة البروج”.
قسَّم البابليون “المسار الشمسي” إلى اثني عشر قسما، كل قسم تبرز فيه كوكبة نجمية محددة، سميت تلك الأقسام بـ ” الأبراج”، وصار كل برج مدته شهر في العام تقريبا.
فالبرج -إذًا – هو زاوية ( أو قطعة ) من “مسار الشمس” في سماء الأرض يحمل اسم كوكبة النجوم الكائنة في تلك الزاوية في وقت معين من العام، بدءا ببرج الحمل ( في مارس ) وانتهاء ببرج الحوت ( في فبراير ).
ومن ثمَّ فإن معنى سؤال أحدهم:
“ما هو برجك؟”
هو: ما هي النجوم التي كانت في موضع “مسار الشمس” يوم ولادتك؟!
وبمعرفة ما هي النجوم التي كانت بارزة في السماء في ذلك اليوم، يتنبأ المنجمون بالأحداث الأرضية وطبائع سكانها المولودين في ذلك اليوم…
فيستدلون بالنجوم على الأحداث الماضية والحالة والمستقبلية،
ويستدلون بها على خصائص الشخصية وما يناسبها من الأعمال والمعاملات والتوافقات الزوجية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه:
ما هي العلاقة بين تلك النجوم وتاريخ ميلاد الشخص؟
أو أقداره؟
أو حتى صفاته؟
كانت بداية الاهتمام بالنجوم في بعض المجتمعات البدائية نتيجة لملاحظتهم تزامن ظهور مجموعات نجمية مع حدوث بعض الظواهر الطبيعية والأحداث الموسمية، ومع مرور الزمن بدأت هذه الملاحظة تأخذ صفة أكثر عمقا وتفصيلا، وتتجاوز الاقتران الزمني إلى التعلق السببي والاعتقاد بفاعلية النجوم وتأثيرها. فكان أول تاريخ مسجل للعلوم المتعلقة بالنجوم في بلاد الرافدين – وفي بابل على وجه الخصوص- قبل الميلاد بألفي عام تقريبا.
لم يقتصر البابليون على ملاحظة النجوم وتتبع مواضعها، بل باتوا يبنون على منازلها وطوالعها التكهنات والاستشرافات الغيبية. كما كان من الاعتقادات السائدة في تلك الأزمنة المتقدمة أن النجوم لها خصائص روحانية، وأنها تمثل قوى الآلهة، فبروزها في السماء في وقت من الأوقات يعني سيادتها على ذلك الوقت، وسيطرتها على ما يكون فيه من سعود ونحوس، وزرع وقحط، ورزق ومنع، واتفاق وافتراق.
بينما ظهر ما يعرف بـ “خارطة البروج” horoscope في مصر القديمة، وهي رسم يوضح عليه موقع الشمس والقمر وأبرز الكواكب والنجوم في وقت حدث ما، كيوم ميلاد الإنسان مثلا. وبناء عليها يتم استنباط معلومات تتعلق بذلك الحدث أو ماضيه أو مستقبله.
وعند اليونان -خاصة- بدأ الاعتقاد بتأثير الأبراج -وقت ظهورها و”سيادتها”- في طبائع النفس وأمزجتها، واعتُبرت مواقع النجوم من العوامل المؤثرة في تكوين الخصائص الشخصية للمولودين في كل برج.
ثم توارثت الأجيال هذه المعتقدات الوثنية البدائية، مع إضافة تفاصيل جديدة ووسائل حديثة تتناسب مع العصور المتأخرة، وأصبح الاعتقاد بتأثير الأبراج -عند بعض الناس- أمرا مسلَّما لا يُنظر إليه بعين فاحصة أو عقل ناقد، والتبس العلم بالخرافة والحقيقة بالأوهام.
وبذلك ننتقل إلى الجزء الثاني من هذا المقال والذي يتمثل بالسؤال البديهي التالي:
إذا قلنا بأن الخصائص الشخصية لكل إنسان تتعلق وتتأثر بالبرج الذي ولد فيه: فما هو الدليل على ذلك؟
إن الأدلة التي يمكن أن يُستدل بها على وجود ارتباط بين البرج الذي يولد فيه الإنسان وبين خصائصه الشخصية لا يمكن أن تخرج عن ثلاثة أنواع من الأدلة:
- فإما أن يكون الدليل شرعي.
- وإما أن يكون الدليل عقلي منطقي.
- وإما أن يكون الدليل حسي تجريبي.
- أو يكون الاستدلال بمجموع هذه الأدلة أو بعضها.
فإن افتقرت الدعوى – أي: دعوى تأثير البرج في شخصية المولود – لجميع الأدلة السابقة عُلم بالاضطرار فسادها، وظهر -بما لا يدع مجالا للشك- زيفها وبطلانها.
فدعونا نتأمل هذه الأنواع الثلاثة، وننظر إن كان يصح الاستدلال بأي منها على ما يدعيه أهل التنجيم. ولنبدأ بالدليل العقلي، حتى نتدرج منه إلى الحكم الشرعي.
فما المقصود بالدليل العقلي؟
وهل العقل يدل على ثبوت أثر الأبراج؟
– الدليل العقلي:
نقصد بالدليل العقلي: الاستنتاج المبنيّ على مقدمات معلومة، والذي ينبني على وجود رابط مفهوم ومُبرَّر عقلا بين الاستنتاج وبين تلك المقدمات.
فالدليل العقلي -هنا- يتوقف على قدرة العقل على فهم وتبرير العلاقة بين الأبراج الفلكية وبين الخصائص الشخصية للمولود فيها، ولا يلزم أن يتمكن كل أحد من تصور ذلك الاستدلال العقلي، بل يكفي إدراك بعض الناس له، وإمكان إدراكه لبعضهم عند إمعان النظر.
لكن إذا تتبعنا أقوال المنجمين -قديما وحديثا- فلن نجد أحد منهم قدم تبريرا عقليا مقبولا يُفسِّر به أثر الأبراج على شخصية الإنسان وطبائعه، وسنجد أن أكثرهم يعتقد بأن التفسير لا يزال “مجهولا”، أو لا يمكن معرفته أو إدراكه.
ولذلك عندما سُئل “نيل سبنسر” Neil Spencer المنجم البريطاني الشهير عن كيفية تأثير الأبراج؟ أجاب بقوله: “لا أعلم، إنها معضلة عميقة وغامضة”! ولو طُرح نفس السؤال على أي منجم -أو مؤمن بالتنجيم أو بأثر الأبراج – لما استطاع أحد منهم أن يقدم تفسيرا عقليا منطقيا مقبولا.
بل إن التأمل والتحليل العقلي المتجرد لدعوى أثر الأبراج على معالم الشخصية يدل – في الواقع – على بطلانها، لا على ثبوتها، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- طرفا من تلك الاعتراضات العقلية على دعاوى المنجمين في كتابه (مفتاح دار السعادة) ضمن نحو عشرين وجها أبطل بها تلك الدعاوى، وذكر هذه العبارة البليغة الموجزة: “هذيانُ المنجِّمين .. لَا يروجُ إِلَّا على جَاهِلٍ ضَعِيف الْعقل”.
ولكن ….
إذا كان العقل لا يدل على صحة التنجيم – بل يدل على بطلانه، فبماذا يحتج المنجّمون والمتأثرون بهم على صدق دعواهم؟
– الدليل الحسي:
إن أكثر ما يستدِل به القائلون بتأثير الأبراج على البشر -أقدارهم وخصائصهم على حد سواء – هو: التجربة. و”التجربة” تُطلقُ ويُراد بها معنيان:
- الأول: التجارب الشخصية والحكايات والأحاسيس الفردية.
- الثاني: التجربة المُطّردة، أو التجربة العلمية المحكَّمة.
والمُعتمد عندهم -في الغالب- هو المعنى الأول، فالدليل الذي يستدلون به على صحة قراءات “الأبراج” والخرائط الشخصية هو ما يظهر من اتفاقها مع واقع الشخص نفسه، أو واقع من حوله.
فإذا قرأ الشخص الذي ولد في برج “الدلو” -مثلا- خصائص ذلك البرج شعر بتوافقها الشديد مع شخصيته، وإذا قارن خصائص برج “العقرب” بطباع زميله المولود في شهر “العقرب” وجد أنها متطابقة، وعندما يتأمل من حوله يلاحظ أن مواليد “القوس” و”الحوت” و”الميزان” لهم خصائص تلك الأبراج فعلا .. وهكذا.
ومع تكرر هذا التوافق الظاهري تتأكد لدى ذلك الشخص القناعة التامة بصحة “علم الأبراج” وعلاقتها بخصائص الشخصية، وإن لم يكن يقدر على تفسير تلك العلاقة، ولا أن يبرهن عليها بغير هذه الطريقة الانتقائية، بل إنه لو سُئل عن الدليل الذي ولّد لديه تلك القناعة فلن يعدُ عن قوله: “إنها ثبتت بالتجربة”.
فلنتأمل هذا “الدليل”، ونختبر تلك التجارب في الواقع، لنتحقق -فعلا- من وجود التوافق بين البرج والشخصية أو عدمه، وما هو تفسيره لو ثبت وجوده؟
سأختصر لكم الطريق، وأبدأ بحكم قاطع في حقيقة وجود ارتباط بين برج الإنسان وخصائص شخصيته فأقول ببساطة:
لا يوجد أي ارتباط بين الأبراج الفلكية والطباع الشخصية.
والتجارب الواقعية لا تدل على وجود ذلك الارتباط، بل تدل عل عدمه. ويمكن البرهنة على هذا الحكم في الوقفات التالية:
أولا: برجك – في الواقع – ليس برجك:
لا شك أن من يعتقد بالصلة بين ما يُقال في خصائص كل برج وشخصية من يولد في الزمن المحدد لذلك البرج اعتمد في ذلك على جدولة زمنية يثق في صحتها، وهي المنتشرة والمعتمدة في قراءة الأبراج اليوم.
فمثلا: من ولد في تاريخ ۱۳ أغسطس فبرجه هو “الأسد”، ومن ولد في الأول من فبراير فبرجه هو “الدلو”، وبناء على ذلك فإن خصائص كل واحد من هؤلاء تتفق مع ذلك البرج حسب ما يقرره “علم الأبراج” ويعتقد به ملايين البشر.
ولكن المفاجئة التي لا يدركها كثير من الناس هي أن هذه الجدولة لم تعد صحيحة! فنظرا للميلان الموجود في حركة الأرض ولأجل تحرك النجوم وزيادة ونقصان المسافات الظاهرة بينها، فإن الأبراج اليوم تختلف عن الأبراج التي حددها البابليون قبل آلاف السنين، فصارت النجوم التي تظهر في “المسار الشمسي” في تاريخ محدد، ليست هي نفس النجوم التي كانت تظهر فيه عندما رُبطت التواريخ بالأبراج ووضعت الجداول الزمنية، إلا أن تلك الجداول لم يتم تحديثها لتتوافق مع الواقع، بل أبقيت على التقسيم القديم.
فصار من ظن أنه مولود في برج “الجدي” – مثلا – كان مولودا في برج “القوس”! ومن كان مقتنعا أن شخصيته متفقة مع برجه: “الأسد” كان – في الواقع – من مواليد برج “السرطان”!
هذا ما أكدته وكالة الفضاء الأمريكية NASA في حسابها الرسمي عام ۲۰۱٦م .
وعليه، فكيف يمكن لأحدهم أن يقول: “ثبت التوافق بين الأبراج وشخصيات المواليد بالاستقراء والتجربة” والقاعدة التي بُني عليها هذا الارتباط ساقطة من أساسها؟
ومما يزيد الدعوى ضعفا وفسادا أن الكوكبات النجمية التي حُددت بناء عليها الأبراج لا تظهر منفردة في “المسار الشمسي”، بل إن الشهر المخصص لأحد الأبراج تشترك فيه أكثر من كوكبة وتتداخل، كما تختلف المدة الزمنية التي تظهر فيها النجوم في “المسار الشمسي” نظرا لاختلاف أحجامها وأشكالها، ووفقا لما ذكرته وكالة NASA فإن نجوم كوكبة “العذراء” -مثلا- تظهر لمدة ٤٥ يوما، بينما تظهر نجوم “العقرب” لسبعة أيام فقط.
ولكن البابليين القدماء أرادوا تقسيم الأبراج تقسيما متساويا يتناسب مع أشهر السنة عندهم، ولذلك كان التقسيم غير دقيق، بل إنهم قاموا بحذف برج بأكمله من دائرة الأبراج هو برج الحواء ( الذي يمتد من ۲۹ نوفمبر وحتى ۱۷ديسمبر ) ليبقى التقسيم متفقا مع الأشهر.
فالمقصود: أن تقسيم الأشهر بحسب الأبراج غير دقيق مطلقا، ولا يعبّر عن النجم الذي يوجد بالسماء في الواقع، ومن ثم فإن الاعتماد على تقسيم الزمن وفقا للأبراج كما هو معروف عند المنجمين غير صحيح بإطلاق، فضلا أن يُربط ذلك التقسيم بأي تأثير على الأرض أو سكانها.
ثانيا: مُعضلة التوائم:
من الإشكالات التي تواجه المنجمين في دعواهم بأن مواليد البرج الواحد يتقاربون في خصائص الشخصية ما يعرف بمعضلة التوائم. وهي أن يولد مولودان في الوقت نفسه ثم يظهر لكل ملاحظ أن لكل واحد منهما طبائع و”شخصية مختلفة”، وهو ما يُبطل دعوى ارتباط زمن المولد وبرجه بشخصية المولود وطبعه.
وإذا نظرنا في تفسيرات المنجمين لهذا التفاوت، سنجد أن تبريرهم لا يزيد قولهم إلا ضعفا. ومن ذلك:
- قولهم بأن المؤثر في تشكيل شخصية الإنسان هو مجموع الطوالع والنوازل من النجوم والكواكب، حتى إن تأخر ولادة أحدهم بضع دقائق من الممكن أن يغير “الطالع” المؤثر في شخصيته، فتتفاوت الشخصيات المولودة في برج واحد تفاوت بيِّن ظاهر.
وهذا القول ينقض -تماما – ما يقوله المنجمون ويصدقه المغترون حول “تحليل الشخصية” وفقا للأبراج الاثني عشر المعروفة.
فأي كلام المنجمين نصدق؟
أقولهم بأن مواليد شهر كامل يتصفون بنفس الصفات؟
وهو ما يؤمن به أكثر المروجين والمصدقين بالأبراج.
أم قولهم بأن فرق الدقائق في الميلاد قد يغير خارطة الشخصية والافتراق في الصفات؟
وهذا تناقض ظاهر يدركه كل عاقل، فإن قالوا باشتراك مواليد البرج الواحد في الطبائع كذَّبهم الواقع، وإن قالوا باختلاف طبائع الناس بعدد النجوم والكواكب سقط قولهم الأول ولم يعد للنظر في الأبراج الشهرية فائدة ولا مدلول لوجود عوامل لا محدودة تشترك في التأثير.
ولو اشتهر عنهم هذا القول الأخير لنفر عن مقولتهم أكثر الناس ممن لا يستهويهم الطرح المعقد والمعادلات الحسابية المطولة لأجل معرفة ما يمكن معرفته بالمخالطة.
- ومن تبريراتهم لاختلاف شخصيات التوائم – خاصة عند تقارب الولادة بما لا يدع مجالا للاعتذار بالطوالع – أن كل واحد من التوائم يأخذ بجانب من خصائص الشخصية المتعلقة بالبرج، ويكون الاختلاف والتنوع بين شخصياتهم لأجل هذا.
وعلى ذلك يظهر بجلاء – لكل عاقل – أن ربط خصائص الشخصية ببرج معين لا ضابط له حتى عند المنجمين، ولا جدوى من معرفته لاختلاف ما يمكن أن يتصف به مواليد كل برج، فإن ما يجوز للتوائم يجوز لغيرهم ولا فرق، ولن تكون هناك فائدة من معرفة خصائص “الحوت” أو “الجدي” إن كانت متفاوتة لا تدل على شيء محدد في الواقع.
ثالثا: أثر بارنوم Barnum Effect وأنواع التحيّزات:
بعد أن تبين لنا امتناع ارتباط الأبراج بشخصيات الناس وطبائع المواليد لاختلال الخرائط والجداول الزمنية التي يعتمد عليها أكثر المنجمين اليوم، قد يتساءل القارئ:
إذا ما الذي يجعل ملايين الناس يصدقون بأكاذيب المنجمين؟
ولماذا يقتنعون بتطابق تحليل الأبراج مع خصائصهم الشخصية؟
هنا يأتي دور الحيل النفسية والخدع العقلية، وما يمكن أن نفهمه بمعرفة ما يسمى بـ”تأثير بارنوم” أو “تأثير فورير“.
يعتبر “تأثير بارنوم” ظاهرة سيكولوجية تتمثل في: اعتقاد الشخص بأن الأوصاف العامة والمبهمة التي تنطبق على أغلب الناس هي وصف دقيق لشخصيته إذا ظن أنها تحليل لشخصيته هو.
بتعبير آخر: أن تحليل الشخصية الذي يقدم بعبارات عامة ومبهمة يجعل كل من يقرؤها يعتقد أنها تصلح لوصف شخصيته إذا ظن أنها أوصاف مخصصة له.
ومن أمثلة ذلك:
– لديك رغبة داخلية في إرضاء الآخرين.
– لديك ميل لانتقاد نفسك.
– لديك إمكانات كثيرة لم تقم باستثمارها.
– لا تتقبل ادعاءات الآخرين دون أدلة مقنعة.
– بعض طموحاتك غير واقعية.
– تحقيق الأمن من أعظم أهدافك في الحياة.
لاحظ أن هذه العبارات يمكن أن تنطبق على أكثر الناس، ولكن عندما تُوهم بأن هذا تحليل دقيق لشخصيتك أنت، ستظهر هذا العبارات وكأنها خاصة بك متفقة مع واقعك “الخاص”.
ويتأكد ذلك عندما تكون العبارات متضمنة لشيء من المديح المبطن، والثناء بصفات حسنة يتخيل الإنسان أو يظن أو يتمنى أنه متصف بها، فيعزز ذلك تصديقها، وهو ما يعرف “بالتحيز للنفس“Self Serving Bias.
أضف إلى ذلك ما يعرف بالتحيز الانتقائي أو التأكيدي Conformation Bias، ويعني: أن الإنسان إذا كانت لديه قناعة معينة، فإنه يميل لملاحظة ما يؤيد هذه القناعة وينصرف عما قد يناقضها، فإذا كان أحدهم مقتنعا بصحة دلالة الأبراج على خصائص الشخصية، فإنه – بطبيعته النفسية – سينتبه إلى ما يؤكد اعتقاده، وستبرز في نظره التوافقات، بينما سيستبعد – دون أن يشعر – كل ما يناقض ذلك الاعتقاد، أو سيفسره بما يتناسب معه.
وجميع هذه الأوهام النفسية تزول عند الانتباه والتجرد، والنظر المتعقل في المحتوى المطروح.
فباختصار: يكثر تصديق دعاوى المنجمين حول علاقة الأبراج بخصائص الشخصية لعدة أسباب، منها:
- أن تكون العبارات عامة مبهمة تصلح لأغلب الناس.
- أن تكون العبارات متضمنة لصفات مرغوبة تسر الموصوف فيصدقها.
- أن يتحيز القارئ للعبارات التي توافق قناعته وتصوراته.
والحاصل مما سبق، أن ادعاء المؤمنين بأثر الأبراج بأنه ثابت بالمشاهدة والتجربة الشخصية غير صحيح، بل إن المشاهدة والتجربة تدل على بطلانه.
هذا، وإن كانت تجارب الأفراد الشخصية لم توصلنا لإثبات أثر الأبراج في طبائع النفوس، فإن ثبوتها بالتجارب والدراسات العلمية آكد في النفي وأبعد وقوعا، بل إن الدراسات العلمية تدل على عدم ثبوت الارتباط المزعوم، ومما يؤيد ذلك ما يلي:
- علماء الفلك يصنفون التنجيم و”خصائص الأبراج” بأنها علوم زائفة.
وقد أكدت وكالة ناسا على هذا المفهوم، وعلى أن علم الفلك منفصل تماما عن عقائد المنجمين التي تمتلئ بالأخطاء الحسابية والمعتقدات الخرافية.
“فعلم الأبراج” لا يعد “علما” وفق معايير المنهج العلمي الحديث للأسباب التالية:
- أنه ليس مبنيا على الأدلة والدراسات، وإنما على معطيات تاريخية لحضارات ذات إمكانات بدائية.
- أنه مكون من “ادعاءات” ليست قابلة للتحقق والاختبار، فادعاء المنجم أن مواليد العقرب يتصفون بشخصية جذابة وقوية – مثلا – لا يمكن اختباره، فالقوة أو الجاذبية أمور نسبية لا تخضع لمعايير حسية ثابتة، وما كان كذلك مما يعتمد على الآراء والتفسيرات ووجهات النظر – لا يمكن تصنيفه ضمن العلوم الطبيعية التجريبية.
- أن نتائجه لا تخضع للتحكيم ومراجعة المختصين، بل تختلف تحليلات وتنبؤات المنجمين أنفسهم.
ولهذه الأسباب – وغيرها – نعلم أن صناعة التنجيم وخرائط الأبراج لا علاقة لها باكتشافات الفلكيين ولا بالعلم الحديث.
- “الحب ليس في النجوم”.
أجرى د. ديفيد فواس – في جامعة مانشستر- البريطانية دراسة مسحية موسعة على عشرين مليون شخص (عشرة ملايين زوج) في منطقتي إنجلترا وويلز عام ۲۰۰٦م، تم التوصل إليهم عبر قواعد البيانات الرسمية المتضمنة لتواريخ الميلاد.
وكان الهدف من الدراسة هو اختبار ما يدعيه المنجمون من أن الشخصيات المولودة في برج معين تنجذب وتتناسب مع شخصيات مولودة في البرج المعين الآخر، وهو ما يجب أن يظهر – ولو بشكل طفيف – في نسب الزواج بين هؤلاء الأشخاص.
إلا إن النتائج أظهرت أنها لا توجد أي زيادة ملحوظة في نسب المتزوجين من الأبراج “المتناسبة” على غيرهم من الأبراج “المتنافرة”.
وذكر د. ديفيد أنه في شريحة ضخمة كهذه، كان ينبغي أن يظهر التفاوت بشكل واضح، فإنه لو زادت زيجة واحدة لكل ألف من أصحاب الأبراج “المتناسبة”، لكانت هناك زيادة ۱۰ آلاف في تلك المجموعة في المحصلة النهائية.
وهو ما يدل على عدم وجود أثر للأبراج على تناسب الشخصيات في علاقات الجب والزواج.
- تجربة فورير
في عام ۱۹٤۹م أجرى بيرترام فورير Bertram Forer تجربة اختبار شخصية على تلاميذه في الفصل، فأعطى كل واحد منهم تحليل لشخصيته بناء على تاريخ ولادته، وطلب من التلاميذ تقييم التحليل ومدى توافقه مع خصائصهم الشخصية، فكان معدل تقييم التلاميذ للتحليل ٤,۲ من ٥ ، و ٤۰ % منهم كان تقييمهم له ٥ من ٥.
العجيب في الأمر أن فورير لم يقدم لكل طالب تحليلا خاصا به، وإنما أعطى جميع الطلاب نسخة واحدة من التحليل، ذكر أنه استله من أحد أعمدة المنجمين في مجلة! وقد تم تكرار هذه التجربة أكثر من مرة مع التوصل لنتائج مشابهة، تدل على وجود التحيز الانتقائي، والتحيز الذاتي وتأثيرها في تصديق الناس لدعاوي المنجمين وخصائص الأبراج.
إلى هنا تم التوصل إلى أنه لا يوجد دليل من العقل ولا من الحس يدل على صحة خصائص الأبراج- بل الأدلة العقلية والحسية تدل على بطلانها.
فيبقى عندنا الاستدلال الشرعي، وقد أخرت الكلام عنه لأجل أن أختم هذا المقال بالأحكام المتعلقة بالتنجيم وخصائص الأبراج، وهي مبنية -كما هو معلوم- على الأدلة الشرعية.
فهل في الشرع ما يدل على أن الأبراج – أو أي جرم سماوي – له تأثير في حياة الإنسان وطبيعته ؟
– الدليل الشرعي:
الجواب – على السؤال السابق – هو بكل وضوح: لا.
بل الأدلة الشرعية تدل على انقطاع الصلة بين أجرام السماء ومجريات الأرض، وتؤكد على حرمة هذا الاعتقاد وخطورته.
ومن تلك الأدلة ما يلي:
- عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد]. رواه أبو داود، وإسناده صحيح والمقصود الاقتباس من علم النجوم، لا من النجوم نفسها فإنه يتعذر في العادة الوصول إليها. وقال صلى الله عليه وسلم: [ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر]. أخرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه. وقد ساق الشيخ محمد بن عبدالوهاب هذا الحديث في (باب: ما جاء في التنجيم).
- حديث زيد بن خالد الجهني في غزوة الحديبية، قال: صلى بنا رسول الله ذات ليلة على إثر سماء من الليل، فقال: [قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فإنه كافر بي مؤمن بالكوكب، ومن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب]. بنوء يعني: بنجم، والباء للسببية، يعني: أن هذا المطر بسبب النجم أو بفعله.
- قول النبي صلى الله عليه وسلم – في صحيح البخاري: [الشَّمْسُ والقَمَرُ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، ولَكِنَّهُما آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ] وفي الحديث إنكار لتأثر الأجرام السماوية بالأحداث الأرضية فضلا عن أن تكون قرينة دالة على حصول تلك الأحداث أو سببا لها.
- وقال البخاري في صحيحه: قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ): (خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ: أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ).
فالنجوم زينة للسماء للدليل المذكور، وهي رجوم للشياطين بدليل تتمة الآية: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ)، وهي علامات يهتدى بها لقوله تعالى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، وليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن النجوم خلقت لغير ذلك.
ومما سبق يتبين أن من اعتقد بتأثير النجوم والكواكب على الأحداث الأرضية بطريقة غير محسوسة ولا معقولة فقد اعتقد بالتنجيم المحرم شرعا.
أما ما توهمه بعضهم من أن في قول الله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم) وأنها دليل على أن تأثير الأبراج، فهو استدلال ظاهر البطلان، إذ ليس في ظاهر الآية ما يدل على ذلك، وليس فيها ما يفيد معنى تأثيرها في الحوادث الأرضية. بل إن من المفسرين من جعل المراد بالآية نزول القرآن منجما أي مفرقا، وليس النجوم التي في السماء.
فقال ابن عباس: (أراد نجوم القرآن ، فإنه كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا نجوما).
وقيل: أراد مغارب النجوم ومساقطها.
وقيل: أراد انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
ولم يقل أحد من السلف او ممن يُعتد بقولة من المتأخرين إن في الآية دلالة على تأثير النجوم، لا سيما مع وجود الأدلة التي تنفي ذلك التأثير أصلا.
وهنا نأتي للسؤال المهم الذي هو ثمرة هذا المقال وغايته :
ما هو حكم الاعتقاد بتأثر الأبراج وقراءتها ؟
يقرر علماء الشريعة أن العلوم ذات التعلق بالنجوم –عموما- تنقسم إلى قسمين:
قسمٌ يسمى “علم التسيير”، وقسمٌ يسمى “علم التأثير”.
أما القسم الأول، فهو الاستدلال الحسّي بالنجوم (أو بالأجرام السماوية) على المصالح الدينية والدنيوية.
وأما القسم الثاني، فهو الاعتقاد بارتباط الأجرام السماوية أو تأثيرها على المجريات الأرضية بطريقة خفية، أو ما يُعرف بالتنجيم، وهو المقصود بالنصوص الواردة في تحريم علم النجوم.
وقد خُصص التأثير في التعريف بالخفاء ليخرج بذلك التأثير الحسي، كتأثير الشمس على النبات، أو أثرها في الحرارة واليبوسة، فالإقرار بهذا الأثر -قطعًا- ليس من التنجيم المحرم.
وإذا تأملنا علم الأبراج المشهور اليوم سنجده على نوعين:
الأول: ربط الأبراج بالأقدار، بحيث يُنظر في أي “برج” ولد الإنسان، وبناء عليه يتم التنبؤ بالأحداث التي ستواجهه في مستقبل الزمان.
الثاني: تصنيف الناس وفقا للأبراج التي ولدوا فيها، ثم وصف خصائصهم الشخصية والسلوكية بناء على تلك الأبراج.
وفيما يلي بيان الأحكام المتعلقة بما سبق:
- الاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية والدنيوية:
ومثال المصالح الدينية: الاستدلال بالنجوم على اتجاه القبلة، وبالقمر على دخول شهر رمضان، والمصالح الدنيوية: كتحديد الاتجاهات ودخول المواسم ونحو ذلك. وهذا كله مباح، وهو “علم التسيير” الذي سبق ذكره. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” علم التسيير ..على قسمين :
أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية فهذا مطلوب، وإذا كان يُعين على مصالح دينية واجبة كان تعلُمُهَا واجباً كأن يستدل بالنجوم على جهة القبلة.
أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، فهذا لا بأس به وهو نوعان، الأول، أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي – وهو قريب منه – يدور حوله شمالاً … فهذا جائز، والثاني، أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يُعرف بتعلم منازل القمر فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون، والصحيح أنه جائز وليس فيه كراهة؛ لأنه لا شرك فيه إلا إن تعلمها ليضيف إليها نزول المطر وحصول البرد، وأنها هي الجالبة لذلك فهذا نوعٌ من الشرك، أما مجرد معرفة الوقت بها هل هو الربيع أو الخريف أو الشتاء فهذا لا بأس به “.
- الاستدلال بالأبراج على العلوم الغيبية:
والمقصود به: التنبؤ بما يحصل في الغيب أو مستقبل الزمان وفقا للأبراج الفلكية، فالمولود في برج “الحوت” سيترقى وظيفيا هذا الشهر، أو مواليد “العقرب” سيسمعون خبرا مفرحا .. ونحو ذلك، فهذا اجتمع فيه وصف الكهانة والتنجيم، ولسؤال الكاهن حالتان:
- الحالة الأولى: أن يصدق المنجم فيما يخبر من أمور الغيب، فهذا كفر لتكذيب القرآن الذي حصر علم الغيب لله كما في قوله تعالى: (قلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ)، وهو شرك أكبر لإشراك غير الله معه في علم الغيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد] أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الألباني.
- الحالة الثانية: أن يكون السؤال للتسلية والعبث، من غير تصديق، فمن فعل هذا لم تقبل عنه صلاة أربعين يوما، علما أن الصلاة لا تسقط عنه، ويجب عليه أداؤها لكنه لا يؤجر عليها، إما لإبطال سؤال الكاهن لأجرها عقوبة، أو لعظم الذنب الحاصل بالسؤال حتى إنه ليعدل أجر مئتي صلاة مفروضة.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: [من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما].
يقول الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه لكتاب التوحيد: “من قرأ الصفحة التي فيها الأبراج -وهو يعلم برجه الذي ولد فيه، أو يعلم البرج الذي يناسبه – وقرأ ما فيه فكأنه سأل كاهنا، فلا تقبل صلاته أربعين يوماً، فإن كان صدق بما في تلك البروج فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم” إلى أن قال: “وإدخال شيء من الجرائد التي فيها ذلك في البيوت معناه إدخال للكهنة إلى البيوت”.
- الاعتقاد بتأثير الأبراج في شخصية الإنسان:
وهذا هو محل الإشكال، وهو الذي ينتشر في مجتمعنا ويضطرب الناس في إنكاره، وهو الذي لأجل بيانه حُرِّر هذا المقال.
وصورته: أن يعتقد أحدهم أن ولادة الإنسان في زمن برج معين يؤثر في طبائعه الشخصية وميوله ونحو ذلك، ولهذا القول حالتان:
-
-
- الحالة الأولى: أن يعتقد أن الكواكب صانعة مدبرة بالاستقلال، وأن هذه البروج هي التي توجِد تلك الصفات، فهذا كفر أكبر لأنه جعل غير الله فاعلًا في الكون فِعْلاً مستقلاًّ عن إرادة الله عز وجل، وهو شرك أكبر لأنه جعل مع الله شريكا في الخلق الذي هو من خصائص ربوبيته، فإن الله -سبحانه- خالق للناس وخالق لطبائعهم لا شريك له في ذلك.
- الحالة الثانية: أن يعتقد أن الأبراج سبب لوجود تلك الصفات، وإن كان يعتقد أن الله خالقها، فهذا شرك أصغر، لأنه اعتقد سببا ما لم يجعله الله سببا، كمن علق التمائم الشركية. والشرك الأصغر وإن سمي بذلك نسبة إلى الشرك الأكبر إلا أن أمره خطير، …….. تابع قراءة الملف عبر زر (تحميل المقال).