خرافات منتشرة

لدي سرٌ: قانون الجذب كذب!

فريق البيضاء للترجمة

لقد كان مركزًا لأضخم ظاهرة في مجال تطوير الذات في العقود الماضية.
الكل الآن يعرف ما المقصود بـ (السّر) أو (قانون الجذب The Law Of Attraction)، الفكرة القائلة بأنه من خلال القانون الكوني، فإن كل ما تركز عليه يتجلى بالضرورة، لذلك بدلاً من التركيز على ما لا تريده، ركز على ما تريده أن يحدث وشاهده يتجسد أمامك.

لكن ماذا لو كان الأساس الذي يقوم عليه قانون الجذب وهميًّا؟
ماذا لو لم يكن قانونًا على الإطلاق بل كان مجرد دعوى أو فرضية؟ ماذا لو لم يمكن إثبات صحته ولم يكن من البديهيات مثل قانون نيوتن أو أيٍّ من القوانين الفيزيائية التي تم إثباتها من خلال دراسات وأساليب علمية؟
ماذا لو كانت فعاليته ناتجة عن الطبيعة البشرية أكثر من أي أمر آخر؟ وأن عدم الاعتراف بهذا حدّت من آثاره بشكل كبير بدلًا من تعزيزه؟

ظهر موكب من أصحاب الرؤى إثباتًا لفعالية قانون الجذب، وكلٌّ منهم كان متحدثًا بارعًا آسرًا للجمهور جذابًا مثل (جو فيتال Joe Vitale) (وجاك كانفيلد Jack Canfield) (ونيال دونالد Neale Donald) (والتش وجون آساراف Walsch – John Assaraf)
تحدث هؤلاء الأشخاص عن مدى أثر قانون الجذب على حياتهم وحياة الآلاف غيرهم، ثم باشروا بإعطاء تبريرات قائمة على “العلم”، لأن البشر لا يقتنعون بالقوانين إلا بأدلة تثبتها، فيجب على هذا القانون أن يثبت صحته في كل الحالات بغض النظر عمن يصدقه ومن لا يصدقه.

الموضوع يدور حول (فيزياء الكم Quantum Physics):
يقال إن كل فكرة تجول في الذهن تخلق موجة كهرومغناطيسية قابلة للقياس و “يمكن إدراكها” على مستوى خفي من قبل الآخرين. على الأقل الجزء الأول من هذا صحيح يمكن التحقق منه من خلال المنهجية الحديثة، لكن الجزء الأخير بأن للآخرين القدرة على الشعور بهذه الذبذبات والاستجابة لها فإننا لا نستطيع إثباته، لكن لمجرد النقاش سنقول إننا منفتحون لهذه الفكرة.

ويقال أيضًا إن الأمور المتشابهة في الطبيعة تجذب بعضها البعض، لذا فعندما تصب تركيزك باستمرار على ما تريد أن تجذبه بدلًا من الشيء الذي تريد أن تتجنبه فستجذب أفكارَ وصدى من حولك الذين يتردد صداهم حول نفس النية الإيجابية، وسيكون صافي التأثير شبكة الأفكار الإيجابية التي سيجذب لك ما تريد.

فكرة مثيرة، ولكنني لم أقتنع بها:
أولًا: كقاعدة عامة في الطبيعة، الأشياء المتشابهة لا تجذب بعضها، بل تنفّر بعضها، وتعد المغناطيسية والاستقطابية من أنقى الأمثلة على ذلك، فالأقطاب المغناطيسية المتشابهة تتباعد بينما تتلاصق الأقطاب المختلفة. والأمر ذاته ينطبق على الكهرباء فالشحنات المتشابهة تتنافر والشحنات المختلفة تتجاذب. لذا إذا كانت أفكارنا تنتج موجات كهرومغناطيسية طوال اليوم وإذا كان بإمكان الأشخاص الآخرين اكتشافها والاستجابة لها فالافتراض المتوقع هو أن الأشخاص الذين يحملون نفس الأفكار ونفس الموجات الكهرومغناطيسية لن ينجذبوا إلينا، بل سينفرون منا.

ثانيًا: (الرنين التوافقي harmonic resonance) لا يفسر قانون الجذب:
ينص الرنين التوافقي على أنه عندما يوضع جسم مهتز بذبذبة معينة بجانب جسم مشابه يهتز أيضًا بنفس الذبذبة فإن اهتزازات الجسم الأول تجر الأجسام من حوله ببطء لتهتز أيضًا. والشوكة الرنانة أبسط مثال على هذا، اضربها وضعها بجانب شوكة رنانة أخرى من نفس النوع وسترى أن كلتيهما تهزان بنفس الذبذبة. لكن المشكلة هي أننا لسنا شوكًا رنانة.

ينص الرنين التوافقي أن الأجسام المحيطة تتسم بثلاثة أمور:
أولًا: أنها في حالة ثابتة قبل تعرضها للجسم الهزاز مما يجعلها متاحة لاقتباس هذه الاهتزازات.
ثانيًا: ذبذبة اهتزازاتها مطابقة للجسم الأصلي.
ثالثًا: هي لا تولّد ذبذبات معارضة بنفس القوة أو أقوى.
البشر لا يستوفون أيًا من هذه الشروط، فنحن لسنا “فارغين” من موجاتنا الكهرومغناطيسية الخاصة، ونحن لا نملك تركيبًا مماثلاً أو مطابقًا لبعض حيث يتردد صدانا عند ترددات متطابقة ونتوافق بنفس الذبذبات، كما أننا بالإضافة إلى ذلك ننتج موجات مستمرة من الذبذبات القوية طوال اليوم.

وعلى الرغم من أني غير مقتنع بالتفسير الشائع لـ(قانون الجذب)، إلا أن هناك شيئًا آخر ما زال يزعجني في الأمر، بينما لم أجد الحقيقة الشاملة في التفسيرات المقدمة لشرح قانون الجاذبية، فإنني في الواقع عشت تجربة أثر التركيز على النتائج البنّاءة وقد كان الأمر ناجحًا؛ لكن لم تكن الموجات الكهرومغناطيسية أو الرنين التوافقي هي الأسباب في ذلك؛ وتفسير هذا الأمر في رأيي هو أبسط وأكثر عملية :لدينا صفات مشتركة مع الكلاب أكثر مما نعلم، فكلانا خاضع للتكيف على نحو سواء، تمامًا مثل ما حدث في تجربة (بافلوف Pavlov) عندما سال لعاب الجراء بعد سماعها لجرس العشاء؛ لذلك فإننا إذا أردنا اتخاذ إجراء مستمر للوصول إلى الهدف الذي نريده فعلينا أن نؤمن بأن النتيجة التي نريدها يمكن الوصول إليها، وإذا لم يوجد هذا الإيمان فلن نقوم بأي إجراءات، وإذا لم نقم بالإجراءات لن يتحقق الإنجاز.

التكرار يولّد الإيمان!
خذ أذكى الناس في العالم وابدأ في تكرار استنتاجٍ أو معلومة يعلمون أنها خاطئة ولا صحة لها، ففي البداية يرفضون ذلك تمامًا، ثم مع مرور الوقت وتكرار المعلومة عليهم، يصبحون منفتحين على الفكرة، بل مع التكرار المستمر يتحول الأمر الذي كانوا يعتقدونه خطاً واضحًا أمرًا صحيحًا لا جدال فيه.
التكرار يولّد الإيمان، هذه القاعدة التي يقوم عليها تكييف الفكر (thought conditioning)، وهو ما يعرف أيضًا بالغسيل الذهني، ويعتبر الأداة الأساسية المستخدمة في كل (Cults) المقصود به الطائفات الدينية الصغيرة التي ليست جزءًا أو فرعًا من دين أكبر وأكثر قبولًا وتتسم بمعتقدات يعتبرها الكثير خطيرة.
بقدر ما يمكن استخدام التكييف الفكري للوصول إلى غايات فاسدة فيمكن تسخيره ليكون أساس إنجازات عظيمة.
تخيلك لوصول هدفٍ تريده بشدة له أثر كبير على النفس، كأن تتصور نفسك مرارًا وتكرارًا بأنك حققت هدفك وأنك تشعر به بجميع بحواسك، فهذا يحررك تدريجيًا من الشك بالذات وقدرتك على تحقيق هدفك وبذلك يقوي إيمانك في تحقيق أهدافك، وكلما زاد إيمانك بتحقيق هدفك تشجعت لاتخاذ الإجراءات للوصول إليها.
ونحن هنا لا نعني فقط الإجراءات الكبيرة التي تغير مجرى الحياة، فعندما تؤمن بشيء -حتى لو قليلًا- فستجد نفسك تقوم حتى بالمهمات الصغيرة بطرق مختلفة، ستبدأ بالتحدث إلى أشخاص كنت تتجنبهم في السابق، وستطرح أسئلة كنت تخجل منها في الماضي، وستساعد أشخاص كنت ستتجاهلهم عادةً، وسترتدي ملابس تلائمك أكثر، وستتفاعل مع من حولك بثقة أكثر، ستتعامل مع نفسك والمجتمع حولك بطريقة مختلفة.
ستستثمر وقتك وطاقتك ودخلك في نفسك وفي الآخرين بدون ملاحظتك أنك تقدم نفسك للعالم بشكل مختلف، فأنت تغيرت بمنظور الأشخاص الذين تتواصل معهم.

والنتيجة النهائية لهذه التغييرات الصغيرة في تصرفاتك على نحو يومي هي:

  • الناس ينظرون لك بصورة مختلفة، ويصبحون متجاوبين معك لأنهم يرونك شخصًا واثقًا وملتزمًا ومفعمًا بالحيوية، وهذا يشجعهم للخوض معك.
  • كل هذه الإجراءات الصغيرة التي اتخذتها تبدأ بالإثمار، تبدأ كل هذه التغييرات غير الملحوظة في تصرفاتك على النحو اليومي بإعطاء النتائج التي تقربك إلى تحقيق هدفك.

وأي نوع من التواصل الإيجابي تمارسه وكل خطوة صغيرة تخطوها ستزيد شعلة إيمانك الذي تكّونت بسبب تكييف أفكارك في البداية، وهذا يحرك دوافعك لتؤمن بأهدافك وتسعى لتحقيقها، وستجد نفسك في حلقة لا تتوقف لتحقيق الإنجازات.
لذا في النهاية أنت لا تحتاج إلى أن تضع نفسك في دوامة فيزياء الكم للبحث عن أدلة لا وجود لها عن قانون جذب ما.
ليس هنالك مشكلة في القيام بذلك إن أردت، لكن الأمر أبسط بكثير من هذا.
أن تصور في ذهنك أنك حققت هدفك يكيفك للإيمان بأنه في متناول يديك، وعندما يتغلغل فيك هذا الإيمان مع التكرار سيقودك إلى التصرف بطرق مختلفة على مستويات واسعة واتخاذ إجراءات لم تكن ستتخذها سابقًا.
هذه الإجراءات تستمر بإعطاء النتائج وتلهمك لتؤمن بأن رؤيتك يمكن تحقيقها مما يعطيك إلهامًا أكثر لاتخاذ المزيد من الإجراءات، وهذا لن يجعل الناس من حولك يرون نجاحك فحسب، بل سيرونك تبدو واثقًا بنفسك أكثر وسيتجاوبون معك بثقة.
هذا كله تفسير صلب.
كما أنه يفسر أيضًا لماذا مجرد صب تفكيرك على تحقيق هدف ما لن يأتي بأي نتيجة بدون التزام مساوٍ في اتخاذ الإجراءات.
ما رأيك إذًا؟
هل قانون الجذب حقيقي؟ أم أنه خدعة؟
هل تبريره بفيزياء الكم صحيح؟ أو أن الأمر يتعلق بشيء أبسط بكثير لكن تأثيره بنفس المستوى؟

المقال المترجم يتضمن معلومات يمكن الاستفادة منها، ولا يلزم من نقله موافقة الكاتب في منطلقاته أو إقرار معتقده وتوجهاته.


الكاتب: جوناثان فيلدز Jonathan Fields: كاتب ومؤسس عدة شركات لتطوير الذات.

المقال المترجم يتضمن معلومات يمكن الاستفادة منها، ولا يلزم من نقله موافقة الكاتب في منطلقاته أو إقرار معتقده وتوجهاته.

المقالات الأخيرة