استضاف (لاري كينغ Larry king) مؤخرًا حدثًا خاصًا تم تقديمه على مئات المسارح في أنحاء أمريكا بعنوان: (ما وراء السر، القوة الروحية وقانون الجذب)، ودار البرنامج حول كتاب (السِّر)، الكتاب الأكثر مبيعًا بين كتب تطوير الذات وحركة العصر الجديد للكاتبة (روندا بايرنRhonda Byrne ).
يَعِدُ (السِّر) قُـرَّاءه بتحقيق الأحلام من خلال التفكير الإيجابي فقط، وقد حصل ذلك؛ على الأقل (لروندا بايرن Rhonda Byrne) وناشريها.
لقد حاز الكتاب على امتيازات تجارية تضمنت رواجه من خلال: (الكتب، والأفلام، وأقراص DVD، وغيرها)، وعاد على المؤلفة والناشرين بالأرباح الوفيرة، ولكن التساؤلات حول مدى فاعلية (السِّر) ومصداقيته لا تزال مطروحة.
يدَّعي (السِّر) أنه مبني على العلم، ويستعين من حين لآخر بعبارات من فيزياء الكم، ولكن تم دحض الفرضية التي قام عليها الكتاب.
ووفقًا لـ (روندا بايرن Rhonda Byrne) فإن كتاب السِّر يعتمد على مبدأ تتبناه حركة العصر الجديد يطلق عليه (قانون الجذب)، والذي ينصُّ على أن الأشياء المتماثلة تجذب بعضها، وبناء على ذلك فإن الأفكار الإيجابية تجلب أشياء إيجابية، والأفكار السلبية تجلب أشياء سلبية، فإذا فكرنا ببساطة في الأشياء التي نريدها، فإننا سنحصل عليها! قد تكون هذه الفكرة منطقية في الظاهر؛ ولكن المتقرر في علم الفيزياء هو أن الأضداد هي التي تنجذب لبعضها وليست المتماثلات.
وبغض النظر عن هذه المغالطة فإن قانون الجذب الذي يدور حوله الكتاب لا يمتُّ للعلم بصلة؛ إذ لا يمكن للمرء أن يوجد شيئًا في الواقع بمجرد أن يتمناه أو يرغب به، أو يفكر فيه أو يشعر به، ثم يتجلى في الوجود.
المنطق المغلوط:
عندما يعرض العلماء نظرية جديدة فإنه يجب عليهم شرح النظرية وآلية عملها، وهنا نجد كتاب (السِّر) يقع في مأزقٍ كبير عند محاولة شرح الآلية التي من المفترض أن يعمل بها قانون الجذب، فوفقًا لمبدأ “الجذب”: يُقال إن أفكارنا تُرسِل ذبذبات بطريقة ما، يفك شفرتها شيء ما في الكون ويستجيب لها بطريقة ما، فإذا أراد أحدنا -مثلًا- فقدان وزنه، أو امتلاك سيَّارة جديدة فإن الكون سيوفرها له بطريقة أو بأخرى إذا فكَّر فيها التفكير الإيجابي، وهو أيسر من اتباع نظام غذائي وممارسة الرياضة، أو كسب المال لشراء السيَّارة، وإذا افترضنا أن قانون الجذب حقيقة فما الكيفية التي سيفقد أحدنا فيها وزنه؟ وكيف ستظهر سيارته الجديدة؟
هنالك أيضًا مشاكل أخرى خطيرة فيما يسمى بـ (الأساس العلمي للسِّر)؛ فوفقًا للكتاب: “كلّ ما يأتي في حياتك تجذبه إلى حياتك من خلال أفكارك”، ولكن هذا غير صحيح! فكل من يلعب اليانصيب يفكر بالفوز والثراء وإلا فإنه -بلا شك- لن يلعب، ولكنّ القليل جدًا هم الذين يفوزون، فإذا كان قانون الجذب فعَّالًا وحقيقيًّا، لماذا لا يفوز الجميع رغم تفكيرهم بذلك؟ ألا يجب أن يفوز جميع اللاعبين إذا كان كل ما يتطلبه الأمر هو الرغبة والتفكير فقط؟!
ومن لوازم قانون الجذب: أنك لو تعرضتَ لحادث أو مرض فهذا خطؤك؛ لأن أفكارك السلبية جلبته إليك، ولو تحطمت طائرة بركابها فهل يدل ذلك على أن راكبًا واحدًا أو أكثر تسبب في ذلك؟ ماذا عن أفكار الآخرين على متن الطائرة؟ هل الأفكار السلبية لشخص واحد استطاعت بطريقة أو بأخرى أن تتجاوز الأفكار الإيجابية للآخرين وتقضي عليهم جميعًا؟
لا شك أن هناك بعض الرسائل الإيجابية وسط هذه الادعاءات التافهة، فنظرة التفاؤل بالتأكيد أفضل من نظرة التشاؤم، وأفكارنا ومشاعرنا بلا شك تؤثر على تفاعلنا وتجاربنا مع العالم، إلا أن هذا ليس سرًا، ولا علاقة له بقانون الجذب المزعوم.
أصل (السِّر):
من العلامات الفاضحة لـلمؤلَّفات المبنية على الاحتيال: أن يعيِّن الكاتب نفسه خبيرًا، وأن يجعل من (الإلهام الشخصي) مصدرًا رئيسًا له فيما يكتب.
وبما أن (السِّر) ليس له أي أساس علمي، فكيف اكتشفته (بايرن Rhonda Byrne) إذًا؟
تعترف (بايرن Rhonda Byrne) بأنها اختلقته بتوليف أفكار من فيزياء الكم وتصوُّف “العصر الجديد” مع بعض المبادئ المنطقية العامة، كما استعانت بكتاب تم تأليفه عام (۱۹۱۰م) بعنوان ساخر: (علم الوصول إلى الثراء)، ثم قررت أنها عثرت على مفتاح الكون، وكتبت كتابًا عن أفكارها، دون أي اكتراث للأخطاء المنطقية، أو فحص للحقائق العلمية.
إن سر نجاح الكتاب -الحقيقي- هو حملته التسويقية الذكية التي مزجت بين البديهيات، والتفكير الخرافي “لحركة العصر الجديد”، وتقديمها على أنها معارف استسراريّة مخفية عن الجميع، والواقع أن (السرّ) ليس سرًّا، فضلًا عن كونه اكتشافًا جديدًا!
على مدى عقود، زعمت كتب “حركة العصر الجديد” وكتب تطوير الذات -مثل هذا الكتاب- تقديم إجابات سهلة لمشاكل الحياة، ولو كان قد نجح أيٌّ منها واحتوى بالفعل على أسرار النجاح والثروة والسعادة، لما احتاجوا إلى نشر المزيد، ولن تكون هناك حاجة إلى: كتاب (ما وراء السرّ)، أو (عودة السر)، أو (ابن السر)!
الكاتب: بنجامين رادفورد Benjamin Radford | كاتب وباحث أمريكي، ألف أكثر من ٢٠ كتابًا، وألف مقال معني بنقد الادعاءات الخرافية والعلم الزائف.
المقال المترجم يتضمن معلومات يمكن الاستفادة منها، ولا يلزم من نقله موافقة الكاتب في منطلقاته أو إقرار معتقده وتوجهاته.